موسوعة شعراء العربية مجلد 5 ج1
بقلم د فالح الحجية
( الشاعرابن الهبّارية )
نظام الدين ابو يعلى محمَّد بن محمَّد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمَّد بن عبد الله بن العبَّاس العبَّاسيُّ الهاشميُّ عُرِفَ ب ( ابن الهَبَّاريَّة ) نسبةً إلى جدِّه لأمِّه (هَبَّار) شاعر عربي اصيل من شعراء العصر العباسي.
ولد في بغداد سنة \414 هجرية – 1023 ميلادية وفيها نشأ واكتمل وهو أحد شعراء بغداد المفُلقين لازم نظام الملك صاحب المدرسة النظامية ودخل في خدمته وأحد وزراء الدولة السلجوقية واتصل بغيره من الرؤساء ثم هاجر الى اصفهان .
وقيل لما وصل الى كربلاء جعل يبكي على الحسين وأهله وقال ارتجالا قصيدته :
أحـسين والمبعوث جدك بالهدى قـسماً يكون الحق عنه مسائلي
لـو كنت شاهد كربلا لبذلت في تـنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسـقيت حد السيف من أعدائكم عـللا وحـد السمهري البازل
لـكنني أخـزت عنك لشقوتي فـبلابلي بـين الـغري وبابل
هبني حرمت النصر من أعدائكم فـاقل مـن حـزن ودمع سائل
ثم نام في مكانه فرأى رسول الله صلىالله عليه في المنام يقول له يا فلان جزاك الله عني خيراً ابشر فان الله تعالى قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين .
وسكن في اصفهان مدة من الزمن وكان فيها ملكشاه ووزيره نظام الملك أبو علي الحسن الطُّوسي. فاصبح من شعراء الوزير نظام الملك
وله اخبار كثيرة معه وقعاتٌ تثير الغضب و توحي بالرِّضا
قال عنه ابن خلكان:
( كان شاعراً مجيداً حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء، والوقوع في الناس لا يكاد يسلم من لسانه أحد)
وكان كريم النفس ظريفاً مجيداً حسن المقاصد الا انه كان خبيث اللسان كثير الهجاء كثير الوقوع في الناس لا يكاد يسلم من لسانه أحد.
ومن اخباره أنَّ أبا المحاسن صهرَ الوزيرِ نظام المُلْكِ حرَّض ابنَ الهَبَّاريَّة على هجاء نظام المُلْكِ بعد خلافٍ نشبَ بينهما فأقدمَ ابنُ الهَبَّاريَّة على هجاء الوزير فأمر بقتله فشفع فيه (جمالُ الإسلام محمَّد بن ثابت الخُجَنْدِي) وكان من كبار العلماء فقبِل شفاعتَه فقام الشَّاعرُ ابن الهبارية يُنْشِدُ نظامَ المُلْكِ يومَ عفى عنه قصيدةً قال في
مطلعها:
بعـزّةِ أمـرِك دارَ الفـلَكْ حَنانَيْكَ فالخَلْقُ والأمرُ لكْ
فقال نظام الملك: كَذَبْتَ، ذاك هو الله عزَّ وجلَّ
وأمرَهُ فأتمَّ إنشـادها.
ويقول في مدحه ايضا:
وإذا سخطْتُ على القوافي صُغتُها
في غيـرِه لأذِلَّهـا وأُهينَها
وإذا رضيتُ نظَمْتُها لجـلالِــها
كَيما أشــرِّفَها به وأَزِينَها
وقيل ان (ابا الغنائم ابن دارست) حمل ابن الهبارية على هجو نظام الملك فأبى وقال :
- هو منعم في حقي فكيف أهجوه؟
فحمله على أن سأل ( نظام الملك ) شيئاً صعبت عليه أجابته الى ذلك فقال ابن الهبارية فيه :
لا غَروَ إن مَلكَ ( إبنُ إســحاق وساعدَهُ القَدَرَ
وصفت له الدُّنيا وخُصَّ ابو المكارم بالكدر
فالدّهر كالدّولاب ليــس يدورُ إلا بالبَقَر
فلما سمع ( نظام الملك ) هذه الأبيات ، قال :
هذه إشارة الى أنني من (طُوس ) فإنّه يقالُ لأهل ( طوس ) (البقر ) واستدعاه ، وخلع عليه وأعطاه خمسمائة دينار
فقال ابن الهبَّارية لـ ( تاج الملك ) :
ألم أقل لك؟ كيف أهجوه وإنعامه بلغ هذا الحد الذي رأيته
وقيل لما اتم كتابه ( نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة ) الفا بيت الشعر ، نظمها في عشر سنين ، ولقد أجاد فيه كل الاجادة في الشعر .ولما سير الكتاب على يد ولده الى الامير ابي الحسن (صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي ) صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات:.
هذا كتابٌ حسنُ تحار فيه الفطنُ
أنفقتُ فيه مدّه عشر سنين عدّه
منذ سمعتُ باسمكا وضعته برسمكا
بيوته ألفانِ جميعها معان
لو ظلّ كل شاعر وناظم وناثر
كعمر نوح التالد في نظم بيت واحد
من مثله لما قدر ما كل مَن قال شعر
أنفذته مع ولدي بل مهجتي وكبدي
وأنت عند ظني أهل لكل مَنّ
وقد طوى اليكا توكلاً عليكا
مشقة شديدة وشقة بعيدة
ولو تركت جيت سعياً وما ونيت
ان الفخار والعلى إرثك من دون الملا
فاجزل عطيته وأسنى جائزته.
يتميز شعره انه في غاية الرقة العذوبة ولكنه يغلب عليه الهزل والهجاء إلا أنه اذا نظم في الجدّ والحكمة اتى بالعجب كما في كتابه ( الصادح والباغم ) وله كتاب ( الفطنة في نظم كليلة ودمنة)
اشتهر في الهجاء وله شعرٌ في المدح ويظهر فيه الافتعالُ الواسع وتغلب عليه المبالغةٌ الكثيرة حتى انها لا تروق لسَّامع ولا لمتلق وشعره في الهجاء افضل من شعره في المدح وتبرز في شعره مقدرته على بناء الصُّور السَّـاخرة الَّتي تقومُ على الأضداد، كما جاء في قصيدته التي يهجو فيها أربابَ دَّولة ( مَلِكْشاه )، ومنها :
ما لي أُقيمُ لدى زعانفــةٍ
شُـمِّ القُرونِ أنوفُهم فُطْسُ
لي مأتمٌ من ســوءِ فِعْلِهِمُ
ولهم بحُسْنِ مدائحي عُرْسُ
ولقد غرسْتُ المدحَ عندَهُمُ
طمعـاً فَحَنْظَلَ ذلك الغَرْسُ
ومن جميل غزله يقول :
بأبي أهيفُ مهضومُ الحشا
مستَعار اللَّحظ عن عَين الرَّشا
يُخجل الأقمارَ وجهاً إن بدا
وغصونَ البان عِطفاً إن مشى
ثَمِلُ الأعطافِ من خَمر الصِّبا
مُنتشي الألحاظِ صاحٍ ما انتشى
آنِسٌ بالناس غيري فإذا اس
تأنست عينيَ منه استوحشا
أيّها الُمعرض عني عبَثا
مَن وَشى بي ليت شعري لا وشى
سوف أرشو عنك قلبي فعسى
يَقبلُ المسكينُ في الُحبِ الرُّشا
من طريف شعره في الخمرة وكان يشربها كثيرا قولُه حين سُئِلَ عن سبب تَرْكِهِ الخمرَ:
يقولُ أبو سـعيدٍ إذْ رآني
عفيفاً منذُ عامٍ ما شـربْتُ
على يدِ أيِّ شيخٍ تُبْتَ قُلْ لي؟!
فقلْتُ: على يدِ الإفلاسِ تُبْتُ
ترجم له صاحب دائرة المعارف الاسلامية فقال فيه :
( ولد في بغداد حوالي منتصف القرن الخامس الهجري ( العاشر الميلادي ) وتعلم في المدارس التي انشئت في ذلك العهد وخاصة في النظامية التي اسسها نظام الملك عام ٤٥٩ هـجرية (١٠٦٧) ميلادية ولم يكن يهتم بما كان يجري فيها من المناظرات الكلامية )
توفي الشاعر ابن الهبارية في كرمان سنة \ 509 هجرية – 1115 ميلادية وفي رواية اخرى توفي في سنة\ 504 هجرية 1111 ميلادية.
ومن اثاره ومؤلفاته المشهورة:
1- كتاب ( الصادح والباغم ) وهو على أسلوب ( كليلة ودمنة ) نظمه للامير سيف الدولة (صدقة بن دبيس) صاحب الحلة. وهو اراجيز في الفي بيت تشتمل على الحكايات والنَّوادر والأمثـال والحِكَـم، وأبياتُ الصَّادح والباغم تَنُـمُّ على فصاحةِ ابن الهَبَّاريَّة وبلاغتِهِ، خَتَمَهـا بقوله:
هذا كتـابٌ حَسَنُ تَحارُ فيـه الفِطَنُ
بيوتـُهُ ألفــانِ جميعُهـا معـاني
لو ظلَّ كلُّ شاعرِ وناظــمٍ وناثـرِ
كَعُمْرِ نُوْحِ التَّالِدِ في نَظْمِ بيتٍ واحدِ
مِنْ مِثْلِه ِ لَمَا قَـدَرْ ما كُلُّ مَنْ قالَ شَعَرْ
2- كتاب فلك المعاني
3- كتاب ( نتائج الفطنة في كليلة ودمنة ) وهو ترجمة شعرية لكتاب كليلة ودمنة . وقد وصفه الصفدي بان (غالبه سخف ومجون )
: ومن جميل شعره هذه الابيات
تجنّبَ في قُربِ المحلِّ وقصدهِ وزارَ على شَحط المزارِ وبُعدهِ
خيالُ حبيبٍ ما سعدتُ بوصلهِ
وزَورتهِ حتى شقيتُ بصدهِ
تبسّمَ عن عذبٍ شتيت كشملهِ
وشملي يُذكي نارَ قلبي ببردهِ
فلم أدرِ من عُجب تَحَلي ثَغره
أم افترَّ ضِحكا عن فرائدِ عِقدِهِ
وقابلَ نُوّارَ العقيقِ وورَدَهُ
بأنضر مَن نَورِ الشقيقِ ووردهِ
وربّ بَهارٍ مثل خدّي فَاقعٍ
يناجي شقيقاً قانياً مثل خدهِ
سقاني عليه قهوةً مثلَ هجرهِ
وطعم حياتي مُذ بُليتُ بفقدهِ
وما أسكرت قلبي وكيف وما صحا
ولا زال سكراناً بسكرةِ وجدهِ
ولو أنّه يسقيه خمرةَ ريقهِ
لأطفأ وجدا قد كواه بوقدهِ
سقاني وحيّاني بوردة خدهِ
وريَحان صُدغَيهِ وبانةِ قدهِّ
وما زحني بالهجرِ والهجر قُاتلٌ
وما مزحهُ بالهجرِ إلا كجِدهِّ
وبتنا كما شئنا وشاء لنا الهوى
يَكفُّ علينا الوصلُ فاضلَ بردهِ
زمانا نعمنا فيه بالوصل فانقضى
وبانَ علي رغمي ومَن لي بردهِّ
فلا تعذُلَّنَّ الدهرَ في سوء غدرهِ
ولا تَطلُبَن منه الوفاءَ بعهدهِ
وخذ ما أتى منه فليس بعامد
وما خطأ المقدار إلا كعمدهِ
ورِفقا فما الإنسانُ إلاّ بجَدِّهِ
وليس بمُغنٍ عنه كثرةُ كَدهِّ
فما يسِبقُ الطِّرفُ العتيق بشدّه
ولا يقطع السيف الذليقُ بحدهِّ
ولكنّ أقداراً تَحكَّمُ في الورى
فيأخذ كلّ منهم قَدرَ جَدهِّ
وما أحدٌ نال العلاءَ بحقهِ
وأدركه دون الرجال بجهدهِ
سوى الصدر مجد الملك فهو سمالَهُ
بجدٍّ وجدٍّ مستقلّ بعهدهِ
فما قرّ صدرُ الدين إلا بقلبه
ولا اشتدَّ أزرُ الملُكِ إلا بمجَدهِ
وحنَّ إليه الدّستُ مذ كان مرضَعاً
ونافس فيه التختُ أعوادَ مهدهِ
على مجدهِ من جودهِ درعُ نائلٍ
تكفَّل كعبيُّ السماحِ بسَردهِ
اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
**************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق