سيد العاشقين

الجمعة، 29 يوليو 2016

حديث ذو شجون (من غدر المنون)* مهندس نزار الأسدي

(نص فلسفي فيه مضامين تستحق القراءة)
،،،،،،،،،حديث ذو شجون..
عن غدر المنون،،،،،،،،،،
في تلك الليلة وبعد أن ودعت نصفها وبقي النصف الأخر يسامرني حيث كان يرغب بسيجارة فاخرة وركوة قهوة تركية ، كان متعباً ذلك النصف وأنا أيضاً كنت متعباً، والركوة النحاسية كانت قد أشتكت أيضاً من كثرة التسخين في توالي النار بين الحين والحين
وعلبة الدخان أيضاً كانت قلقة خوف نفاذها لموت بناتها واحدة تلوى الأخرى بتسارع مرعب
مرتقبة نهايتها الحتمية في مقبرة النفايات .
ورغم أن الكل كان متعباً لكن الكل غَلَبَ الوفاء على النعاس وقررنا السهر على الطاولة جدي الهرمة،التي باتت لا تقوى على السهر وشخير صريرها بين حركة وحركة كان يعلن أنها متعبة لا تقوى السهر،
بات كل شيء ينتظر أن تفيق هي !!
من نومها أو تتوقف عن نومها المصطنع،
مرت لحظات شروداً مزدحم الاستفهام ،
فكان الجواب ذلك الشرود والتعثر في
شواخص الأستفهام الكثيرة
أنها أستيقظت ؟؟،
ثم أجلستها كمرآتي على المقعد المقابل 
قرب منتصف الليلة،
ثم أعددت لها فنجانها المفضل وأشعلت
لها السيجارة ،
وبهدوء المتعب الذي فقد كل طاقته عند حلبة الصراع المستمر الذي لا يتمتع بقواعد النزال حيث لم تكن هناك أي أستراحة بين جولة وجولة كان هدوء فاقدالحيلته والقوته ،
طلبت منها راجياً أن تتحدث .
عن أي شيء أو عن كل شيء ؟
أو لما هي متعبة هكذا ؟
فكان السؤال.
لما أنت متعبة؟؟
وهي ترشف ما تبقى من الفنجان،
أبتسمت أبتسامة الساخر الحائر التائه بين الكثير من البدايات لكثير من الآهات ،
وهزة رأسها مع تلك الابتسامة ،كانت تدل على عمق يقين علمها وجهل السائل.
وبينما كنت أقرأ في أستفهام تلك الملامح التي ذهبت نظارتها في فجر السنين حتى أحدودبت وتعكزت قبل أن تبلغ حد الأربعين .
وبينما أنا هكذا.
كان النور قد ودعنا وتعذر أن يكمل السهرة معنا كان يومه شاق مخلفاً بعده ظلام مرعب ثقيل جداً حتى ضاق به ميزان صدري ،
وبأرتباك المُباغََت كنت أبحث عن مدية قتله شمعة أعددتها مبكراً لقتله إذا ما قَدِم وقد جاء وقتها ،
وأنا أبحث عن تلك الشمعة اللعينة كانت جمرة سيجارتها في الظلام مُدهشة كانت كبيرة جداً ليس كما هي فالنور، أظنها أخذت نفساً من الدخان عميق،
هنا أدركت أنها سوف تتكلم .
فعالجتُ بعُجالة أمر أيقاد الشمعة وجلب أوراقي وقلمي أنتظر ضجيج الصمت.الذي ينتظر فوهة السائل ليلقي حمم القهر والكبت
رمة عقب السيجارة على الأرض وهي تنظر إليه 
ثم تمددت إلى الخلف وملأت الكرسي في جلستها .
وقالت:-
تسألني لما أنا مُتعبة ؟؟
نعم.
نعم مالذي يُتعبك ؟؟
الأيام ؟؟
ماذا الأيام !! ؟؟
نعم الأيام .
وكيف ؟؟
منذ أن ولدت وهي تراقبني تتبعني خطوة بخطوة تحصي أنفاسي نفسٌاً نفساً ترصد حركاتي ..
ودائماً تحت نظرها الذي يخلو من الأجفان ، خوف الفوت لرمشة الرمش ،
نظرٌ يتمتع بحرية مطلقة لا يُغضُ حتى تحت لحظات الحياء ...فهو بلا حياء.
كما أنها لا تشبع تأكل كل شيء دون أن تخضع لحكم تذوق الأشياء وتفاضل ذوق عن ذوق 
فهي عديمة الذوق 
ولا طعم عن طعم لأنها... بلا طعم 
هي تأكل دون أن يحكمها شبع ولا بعد أو قرب ولا أتجاهات فهي تطال كل الذي هنا وهناك والذي فوق وتحت واليمين والشمال فلا يعجزها تباعد الاشياء لانها مستطيلة على كل شيء
ولا يحكمها سوى شيّء واحد فقط،
وهو الوقت
فإذا حل الغروب أراها تضطرب وتلملم بقاياه على عجل ثم تسرق حفنة من تراب تطعمها لذلك الوحش .!!
ثم تستقبل الظلام تملي عليه بعض الوصايا ليُكمل باقي العمل على أن تذهب هي المراقبة وإزعاج الآخرين في النصف الأخر فهي لا تتعب ولا تكل كي تنام لذا فهي لا تُحكم بالنوم .
ثم توقفت عن الكلام
وأشعلت سيجارة أخرى فبادرتها بفنجان أخر.
كانت تتكلم بصوت مثقل بالحقيقة مرتجف تُجمله بُحة مفرط التدخين ملتحف برد الخوف من آذان تسترق السمع وهي لا تريد أسماعها.
ولدهشة الصوت والأسلوب والمنظر مر الوقت ولم أكتب شيء ،
بل غَلَبَ عليَّ الذهول وسيطر الخوف.
ثم أستدركت ما مر من الغموض في الحديث
فقلتُ:- 
أي تراب ؟؟ 
وأي سرقة ؟؟
ومن ذلك الوحش ؟؟
لم أفهم شيء على الإطلاق !!
قالت:-
قلتُ أن الأيام كل الأيام ليست أمينة 
بل سارقة خبيثة ،كلما يأتي يومٌ جديدٌ أرقبه كما يراقبني ،أجده عند المغادرة يسرق حفنة من تراب ويطعمها إلى ذلك الوحش الذي يزداد قوة وتوحش كلما أكل التراب.!!
من هو ذلك الوحش ؟؟
لا أستطيع أن أفصح لك. !!
بل أخاف ذكره فيحضر ليَفْتِك بي !!!
أهو قريب منا؟؟
ومتى كان بعيداً عنا !!
أذاً لا تذكريه أرجوك لا تذكريه !!؟؟
نعم لن أذكره،
ولكن هو دائماً يذكرنا ولا نغيب عن ذكره ولو لذكره.
وكيف عرفتي كل هذا؟؟
أصبحت أحسه عندما بدأت أراقب الأيام ،
كل يوم يأتي يكون كالذي سبقه يسرق تراب ويطعم الوحش حتى باتت تلك الحفرة جاهزة .
كل شيء مني ومن حولي كان ينقص مع كل يوم جديد إلا الحفرة كانت تكبر وتزداد عمقاً واتساعا
وكل شيء مني ومن حولي أيضاً كان يضعف ويهرم مع كل يوم جديد إلا ذلك الوحش كان يزداد قوة وفتوى كلما أكل من تراب
لما تتصورِ أن ذلك الوحش يقصدك أنت ؟؟
أنا لم أتصور،!!
بل هي الحقيقة !!
أي حقيقة هذه ؟؟
كم أنت غافل !!!!!
هناك حقيقة واضحة ولكنك لا تبصر إلا بعينك
والعين لا ترى إلا ما تطلبه الغريزة !!!
هل عينك ترى الله سبحانه جل في علاه !!؟؟
أذن كيف آمنة به !!؟؟
هناك بصر أقوى من بصر العين بصر غير محسوس يبصر الا محسوس بعين اليقين.
نعم يا غافل بقلبك رأيت الله جل في علاه
توقفي أرجوكِ توقفي
بدات أفهم لما أنت متعبة
نعم الآن فهمت !!
نعم فهمت!!
الموت هو الذي يأكل التراب وهو الوحش الذي يطلبك
وحفنات التراب هي العمر الذي تسرقه الايام
والحفرة هي وردك الأخير 
قبرك الذي ينتظرك .
رحماك رحماك يا الله ...إن كنت من الغافلين
والآن أيتها الروح المتعبة أرجعي الى جسد
محكومة بالقدر عسى أن تكوني راضية مرضية
عند الله.
:
:
‫#‏المهندس‬ نزار الأسدي
(العراق)
٣٠ تموز ٢٠١٦
Show more reactions

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق